لحمٌ بـ 75 درهما.. هل "يسخر" الناطق الرسمي باسم الحكومة من المغاربة أم أنه اقتنى مُنتجا قادما من المجازر غير المراقبة؟

 لحمٌ بـ 75 درهما.. هل "يسخر" الناطق الرسمي باسم الحكومة من المغاربة أم أنه اقتنى مُنتجا قادما من المجازر غير المراقبة؟
الصحيفة من الرباط
الجمعة 17 فبراير 2023 - 14:08

عاد مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، إلى موضوع اقتنائه لحما بـ75 درهما للكيلوغرام من إحدى الأسواق بعمالة الصخيرات تمارة، في عز الغلاء الذي تعرفهم أسعار اللحوم بالمغرب، حين أكد خلال ندوة صحفية يوم أمس الخميس أنه بالفعل اشترى هذا اللحمة وأكله وأن صحته جيدة، الأمر الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام حول مصدر المُنتج ومدى مطابقته لشروط السلامة الصحية.

وفي الندوة التي أعقبت اجتماع المجلس الحكومي، أكد بايتاس ما قاله بتاريخ 11 فبراير 2023، على هامش أشغال المجلس الوطني لحزب التجمع الوطني للأحرار، بخصوص اقتنائه اللحم قبلها بأسبوعين من أحد الأسواق، مؤكدا أنه في صحة جديدة، علما أنه في تلك الفترة كانت أسعار اللحوم قد ارتفعت بالفعل، ووفق وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد صديقي، فإن أثمنة بيعها بالجملة كانت تتراوح ما بين 80 و85 درهما.

وفي ظل هذه المعطيات، وبالنظر إلى أن بايتاس اعتبر أن مكان اقتنائه للمنتجات الغذائية الخاصة بأسرته أمر شخصي ليس عليه التفصيل فيه، فإن حديث الناطق الرسمي باسم الحكومة أمام كاميرات وسائل الإعلام يدفع إلى التساؤل بإلحاح حول طبيعة اللحوم التي استهلكها الوزير، وما إذا كان الأمر يتعلق فعلا بتلك التي مرت عبر المجازر التي تحظى بمراقبة المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية وتطبق دفاتر المعايير الصحية على مستوى الذبح والحفظ والتوزيع.

ويبدو السعر الذي طرحه الوزير بعيدا جدا عن السعر الحقيقي الذي يقتني به المواطن العادي، الذي تعدى الـ100 درهم، ما يثير الشكوك حول طبيعة اللحوم التي تباع بأثمنة منخفضة حاليا، علما أن هذا الأمر كان محط تنبيه صريح من المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الصادر سنة 2018، والذي كشف أن 223 مجزرة للحوم الحمراء في المناطق القروية غير خاضعة للمراقبة من أصل 702 من المجازر المعتمدة.

وجاء في التقرير أن المجازر تعتبر من التجهيزات العمومية المحلية التي تستخدم لتزويد الساكنة باللحوم المراقبة والمعدة وفقا للشروط التقنية والصحية والنظافة المطلوبة، وقد تم سنة 2009 إبرام عقد برنامج بين الحكومة والفيدرالية البين مهنية للحوم الحمراء يخص الفترة ما بين 2009 و2014 وذلك في إطار توجيهات مخطط المغرب الأخضر، ولاسيما في مكونه المتعلق"بتحسين الظروف الصحية لإعداد اللحوم الحمراء وتعزيز الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، وتم تجديد هذا العقد البرنامج سنة 2014.

لكن الملاحظ، حسب التقرير، هو أن الحصيلة الحالية لقطاع الذبح هي حصيلة سلبية، حيث إن عمليات التأهيل لم تتم بعد كما أن عدد المجازر المعتمدة صحيا من طرف المكتب لا يزال جد محدود، وأضافت الوثيقة أنه في سنة 2018 كان المغرب يتوفر على 180 مجزرة بلدية، منها واحدة فقط معتمدة من طرف المكتب، ويتعلق الأمر بمجزرة بين جماعية بالحسيمة تم اعتمادها سنة 2013، و3 مجازر خاصة معتمدة و702 مذبحة قروية منها 223 غير مراقبة.

وعلى الرغم من ذلك، تقوم المصالح البيطرية التابعة للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية بترخيص لحوم هاته المجازر، وكذا بعض المذابح القروية التي تم إحصاؤها، ويقدر عدد المذابح القروية المراقبة حينها بـ 479 مذبحة من مجموع 702، مع أن هذه الوحدات لا تتوفر على الحد الأدنى من شروط النظافة والصحة.

وكان الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات حينها، إدريس جطو، قد أصدر مذكرة استعجاليا بخصوص وضع المجازر جاء فيها أن مهمات المراقبة التي قامت بها المجالس الجهوية للحسابات، والتي شملت 70 مجزرة جماعية عبر مجموع التراب الوطني خلال الفترة ما بين 2007 و2015، مكنت من الوقوف على عدة نقائص ذات طابع متكرر تتعلق بشروط النظافة والصحة ومستوى التدبير، وتؤثر سلبا على جودة اللحوم الموجهة للاستهلاك.

ومن الأمور التي وردت في المذكرة، رصد قضاة المجلس لعدم احترام المقتضيات المتعلقة بالمراقبة وبيع لحوم الأسواق، ولا المقتضيات القانونية المتعلقة بترقيم وتتبع الحيوانات المذبوحة، بالإضافة إلى عدم احترام المعايير الواجب توفرها في شاحنات نقل اللحوم، وغياب سلسلة للذبح تفصل بين المنطقة النظيفة والمنطقة الملوثة داخل المجازر حيث يتم النحر والسلخ ونجع الأحشاء في نفس الغرفة، بالإضافة إلى عدم ربط العديد من المجازر بشبكات الماء والكهرباء والتطهير وافتقارها لوسائل النظافة والتجهيزات الصحية.

ووفق الوثيقة نفسها، فإن إجمالي الإنتاج الوطني من اللحوم سنة 2016 كان قد وصل إلى 550 ألف طن، بينما كانت كميات اللحوم المنتجة في المجازر المراقبة في حدود 300 ألف طن، ما يعني أن أكثر من 45 في المائة من إجمالي الإنتاج يصدر من خارج منظومة المجازر وغير خاضع لأي رقابة، في حين أن 698 مجزرة من بين 898 منتشرة على الصعيد الوطني، تخضع للمراقبة، أي أن 200 تبقى خارج أي مراقبة، منها مجزرة بلدية واحدة و199 مذبحا قرويا.

وإذا كانت كل هذه المعطيات غائبة عن ذهن الناطق الرسمي باسم الحكومة، فإن ما لا يجب أن يغيب عن ذهنه هي معطيات حديثة مصدرها رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش، في آخر أيام توليه وزارة الفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري والمياه والغابات، حيث دعا، في يناير من سنة 2021 أمام مجلس النواب، إلى انخراط الجماعات المحلية والقطاع الخاص في عملية تأهيل المجازر بالمغرب، على اعتبار أن معظمها لا تحترم المعايير الصحية.

وقال أخنوش إن معظم مجازر المغرب لا تتوفر على أدنى الشروط الصحية والتقنية، وذلك وفقا لتقييم أنجزه المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، وأضاف أن المكتب منح مهلة تتراوح من 3 إلى 6 أشهر للمجازر، وخاصة مجازر الأسواق لتأهيلها وتمكين المصالح البيطرية من القيام بالتفتيش الصحي يوم السوق الأسبوعي فقط، وبعد نهاية المهلة، تم تعليق التفتيش الصحي البيطري على مستوى 65 مجزرة أسبوعية التي لا تستوفي الشروط الصحية.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

 الجزائر.. وأزمة هُوية سَحيقة

انحدر النظام الجزائري إلى حفرة عميقة من التاريخ للبحث عن هوية مفقودة، يبني بها شرعيته كنظام قتل 250 ألف جزائري في العشرية السوداء (2002-1991). وهو ذات النظام الذي يبحث، أيضا، ...

استطلاع رأي

من تُرشح ليكون أفضل لاعب مغاربي لسنة 2024؟

Loading...